ستون عاما على مذبحة دير ياسين...
245طفلا وشيخا وامرأة..شهداء
وبعدها استمر النزيف...
لن نعود إلى النسيان.. أبداً لن ننسى!
لن نعود إلى النسيان.. أبداً لن ننسى!
الخلفية: كانت قد نُشرت هذه القصيدة كتيِّباً ووزعت أثناء حفل إزاحة الستار عن أول نصب تذكاري لمجزرة دير ياسين يقام على أرض الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في 24 سبتمبر 2003 . والنصب عبارة عن منحوتة من البرونز على شكل زيتونة مقتلعة من الأرض وهي من أعمال خليل بن ديب. لقد جمعت رندة حموي دوجي في هذه القصيدة بين وقائع مجزرة دير ياسين ورؤيا مؤسس جمعية "دير ياسين في الذاكرة"، دان مكغاون، الذي خرج متأثّراً من بوّابة متحف "ياد فاشيم" الذي أنشأته إسرائيل للتذكير بمأساة المحرقة النازية قرب مدينة القدس، فوقعت عيناه لأول مرة على الهضبة التي تطلّ منها بقايا بلدة دير ياسين.
ملاحظة: هند الحسيني- سيدة فاضلة آوت الأيتام في بيتها وأنشأت لهم دار أيتام ومدرسة هي "دار الطفل العربي" في القدس.
الباحث عن الحقيقة-
قرب بَّوابة القدس
وعلى عتبة "ياد فاشيم"
تمَّهل الحاج
وتاقت نفسُه أن تتحقَق
الكلمات التي حُفرت في ذهنه
"لاتنس أبداً جرم الإنسان للإنسان!"
فهمس بالعربية:
" لا تَنْسَ!"
من موقعه
أطّلت عليه الهضبة الشمالية
بتاجٍ من صنوبر وردي
تأجج في شمس الصباح
دير ياسين من فلسطين
اليوم"غيفات شول بيت"
إسرائيل
انطلق
وصل إليها .. فتعثّر
وتحوَّل عظم ساقيه ماءً
فالحقيقة –ضالته- هنا
هل يجرؤ أن يجابهها؟
ركع على الأرض
لمس بأنامل ترتجف
آثار أعمارٍ سُحِقَت
أشلاء مبعثرة
تحت قدميه
عُجِنت في الحجر
حُبست في الركام
"لا نَنْسَ"
ربّاه.. أعنّي كي أتذكر!
-دعاء مستجاب-
الهضاب والأشجار
الريح والجدران
رجّعت ..ردَّدت
صدى الأنين ...
ابتهالات مكبوتة..
دعاء بالويل
ارتفعت الأصوات
ويلي! ويلي!
وعلت النبرات
لتَطْرُق وجدانه التواق
إلى الحقيقة..
فاختزلت عقوداً من الزمن
عوداً إلى دير ياسين
قبيل ذلك الفجر المشؤوم
" لا تَنْسَ!.. لا تَنْسَ!.."
دير ياسين
تحت الحكم البريطاني
في سلام مع جيرانها اليهود
" لا تَنْسَ!"
في دير ياسين
كان الكل نياماً
أمهات وآباء مع صغارهم
في ساعة غفلة أوقظوا
قبل طلوع الشمس
من خلف الدير القريب
ليشهدوا....
كتابة سطرٍ أليم
في تاريخ البشرية
ولتضّرج دماؤهم الكتب السماوية
"لا تَنْسَ! "
فصرخ الحاج في مهب الريح:
"كيــــــف - من فورنا- نســـــينا؟"
التاسع من نيسان 1948
تكشّفت أحداث النهار
بمآسيه
الضعفاء .. من لاحول لهم ولاقوة
فتحوا عيونهم على القتل
والدمار
وامتدت أذرعهم إلى من يؤويهم
فتجاهلتهم الأقدار
"لا تَنْسَ!"
من لاحول لهم ولاقوة
مُزِّقت آذانهم
وقطّعت أصابع ومعاصم
لحصاد أقراط وخواتم وقلائد
الجدّات ..والجدود.. مُثِّلََ بهم
وانتهكت العفة
على وقع السكين ونغمة البارود
"لا تَنْسَ"
وجُمع الفتيان في الشاحنات
مكبلي الأيادي إلى الأعناق
غنيمة استعراضية أول الليل
وآخر الليل ... الإحراق!
" لماذا ؟ لماذا"
صرخ الحاج بغضب
سائلاً مقالع الحجارة الحبلى
ببقايا الفتيان المتفحمة
فجاءته الإجابة:
" لا تَنْسَ! لا تَنْسَ!"
فقال: تبَّت أيدي القتلة
ولعن ذاك اللهب!
-العاقبة-
وبعد المجزرة نودي : الرحيل!..
أيها الفلسطينيون! إلى بر الأمان!
كثيرون من رحلوا خفافاً
ظانين العَوْدَ القريب
لكن نوايا بني صهيون
كانت هي الأقرب!
فهدموا خمس مئة قرية فلسطينية
في أعقاب ذلك النزوح
"لا تَنْسَ!"
وكوفئ الإجرام
بأن صُفِّق للقتلة...
وبعض قادتهم اللئام
اعتلى رئاسة الوزراء
ومنح فيما منح
جائزة نوبل للسلام!
"أيتها الإنسانية !..
ما هذا الذي فعلناه؟.."
وبقي من بقي حياً
ليروي قصة البلاء:
وُجد خمسةٌ وخمسون طفلاً
مرمياً بجوار أسوار القدس
يتامى ..
قد خبأتهم أجساد الأباء
جزاك الله خيراً ياهند
أن احتضنتِهِم جميعاً!
"لن ننسى ! لن ننسى!"
النصب التذكاري
بكى الحاج
وما جفّ دمعه
طريق عودته إلى ياد فاشيم
ماراً بالمدن الإسرائيلية
مدن شيِّدت
من أنقاضٍ فلسطينية
"لاتخمد شعلة الأمل
والذاكرة حية،
والملايين في الشتات
بصوتٍ واحد ينعون
وطنهم فلسطين
وما بدأته إسرائيل
ذلك اليوم من نيسان!"
ثم ارتعد إذ أضاف:
"اتق عدالة الرب
يا إسرائيل
إذ أخذ بحق المظلوم
فأنت اليوم من ظَلَم!"
ولما وصل الحاج "ياد فاشيم"
أقسم
أن يبقى للحقيقة حارساً
"لن أستريح حتى أرى
هنا، في "ياد فاشيم"
لوحةً توَجِّه الزائرين
إلى الهضبة الشمالية
المتوجَّة بالصنوبر
حيث سيكون
نصب تذكاري
يُخلِّد ذكرى دير ياسين
وماضاع فيها
من أرواح
وأحباب
وسنين
ودموع
هُدرت في دير ياسين
هُدرت منذ دير ياسين
وفقدها الزمان...
عسى ألا نعود إلى النسيان
يارب، ذَكّرنا
لأجل السلم
شالوم
سلام!"
الهضاب والأشجار
الريح والجدران
رجًّعت ..ردَّدت
"آمين !"
وأبشر الأمل:
لن نعود أبداً إلى النسيان
لن ننسى! لن ننسى!